أ - يندفع الأول بـ: أن اللعن ظاهر في الحرمة ومنصرف إليها ، ولو بلحاظ وروده مورد الردع عن العمل ، والأصل في الردع الحرمة ما لم يثبت الترخيص ، على ما ذكرناه من مبحث الأمر والنهي في الأصول ، على أن تطبيق المثلة في المقام كاف في البناء على الحرمة ، لما هو المعلوم من حرمة المثلة .
ب - كما يندفع الثاني بـ: أنه لا منشأ للانصراف المذكور ، لظهور الحديث في مبغوضية الحالة الخاصة في نفسها وبعنوانها الأولي ، وتطبيق المثلة عليها تعبدي ، نظير قوله : ( الشيب نور فلا تنتفوه ) ، حيث لا مجال لحمله على خصوص ما إذا كان بهياً منيراً .
وأما المعنى المذكور في السؤال ، وهو حلق لحية الغير بقصد إهانته وإذلاله ، فحرمته أهم من حرمة المثلة ، وأظهر من أن تحتاج إلى تطبيق عنوان المثلة ، لما فيها من انتهاك حرمة الله تعالى بانتهاك حرمة عبده المؤمن في بدنه وعرضه ، ودونها حرمة سبه وشتمه واحتقاره ، التي وردت فيها مضامين قاسية في الاستنكار والتنديد والردع ، لا تناسب لسان الردع المذكور في الحديث المستدل به ، بل هي أفظع أنواع الظلم الذي ورد فيه ما ورد ، مما لا يناسب اللسان المذكور ولا يشابهه .
وبعد فهي ليست حالة شائعة ينصرف الإطلاق إليها ، كحلق اللحية بما هو زي يختاره أهل التجبر والاختيال ، وأشارت إليه نصوص كثيرة عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأهل البيت ( عليهم السلام ) .
وقد روي أنه دخل على النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مبعوث كسرى وهو حالق لحيته ، وقد أعفى شاربه ، فاستنكر ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ذلك منه ، حيث يقرب جداً بعمل الحديث المستدل به على ذلك ردعاً عن سريان هذا الزي وشيوعه بين المؤمنين .
ويبعد جداً حمله على المعنى الآخر غير الشائع ، والذي هو أوضح حرمة وأشد من أن يكتفي فيه بهذا البيان ، ولا سيما وأن المعنى الأول هو مقتضى الإطلاق ، والمعنى الثاني يستبطن قيداً لا شاهد عليه .
ج - ومنه يظهر حال الوجه الثالث ، فإنه إن أريد به أن حلق اللحية غير مقبول اجتماعياً بلحاظ كونه زياً لأهل التجبر والاختيال ، والترف والبطر ، فهو غير مستبعد ، إلا أنه لا يقتضي تطبيق المثلة .
وإن أريد به أنه غير مقبول اجتماعياً ، لأنه من المستبشعات ، نظير قطع الآذان ، فتطبيق المثلة عليه - وإن كان مناسباً حينئذ - لا يناسب ما سبق من كونه زياً معروفاً لفئة خاصة ، قد لا يرضى الله تعالى بشيوعه ، وقد ورد الردع عنه .
على أن ذلك كله تخرص لا شاهد عليه ، ولا يناسب إطلاق الحديث ولا لسانه ، بل لا يناسب تطبيق النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) المثلة ، لعدم كون وظيفته تطبيق الكبريات الخارجية الواضحة ، نعم قد يتجه الاحتمال المذكور لو كان التعبير هكذا ( لما كان حلق اللحية مثلة فعلى الحالق لعنة الله ) .
وبالجملة لا مخرج عن ظاهر الحديث من كون التطبيق تعبدياً ، مسوقاً تمهيداً للردع من أجل إدخال الأمر المردوع عنه تحت كبرى مستنكرة .